عرفت المجتمعات الإسلامية منذ فتح مكة تسامحا دينيا وفكريا مع جميع الديانات السابقة حيث تم تقسيم غير المسلمين الى أهل الذمة أي الذين هم أمانة في عنق وفي ذمة المسلمين والصنف الثاني وهم أهل الكتاب كاليهود والصابئة أتباع سيدنا يحيى عليه السلام والنصارى أتباع سيدنا عيسى عليه السلام .
الذميين وأهل الكتاب
وقد فرق المسلمون بين الذميين كمجوس مثل الزرادشتيين(الذين يعتبر البعض انهم كتابيين وان زرادشت كان نبيا وله كتاب) وفرق بينهم وبين أهل الكتاب من حيث التوقير والإحترام حيث حظي الكتابيون اليهود والنصارى بكثير من التعاطف واللين في سبيل إستمالتهم للإسلام .غير أنه تم فرض الجزية على كل الأطياف غير المسلمة في مقابل فرض الزكاة على المسلمين .حيث عمل الإسلام على فرض هاتين الضريبتين على المسلمين وغير المسلمين كنوع من الضمان والتكافل الإجتماعي يدفعها الفرد في شبابه وقوته و غناه ليأخذها من بيت مال المسلمين لاحقا كمساعدة مادية له في وقت ضعفه وهرمه وفقره.
ولا يغفل الدارسون المتأملون في القران من المنهج الإلهي في التعامل مع غير المسلمين في كثير من الأيات القرانية حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة
الاية 60:(إِنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليهاوَالمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وَإبن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)
العاملين عليها:جامعوا الزكاة والجزية والصدقات*المؤلفة قلوبهم:الفقراءغير المسلمين المقيمين مع المسلمين والذين يحسنون الجوار والمعاملة*الرقاب:لتحرير العبيد*الغارمين:من عليه ديون*ابن السبيل:المهاجر من بلده ليطلب الرزق او العلم.
كما يخص الله سبحانه وتعالى المسلمين في التعامل مع غير المسلمين بقوله تعلى(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يظاهروا على إخراجكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) كون الله رحيم ويقول عن نفسه ..ورحمتي وسعت كل شيء..وعن محمد صلى الله عليه وسلم ...وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين...وعليه الرحمة واجبة علينا مع غير المسلمين المسالمين.
كما ان القران إعترف بحسن خلق جل النصارى والرهبان منهم بالخصوص حيث يقول سبحانه في سورة المائدة اية82
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين امنوا الذين قالو إنا نصارى ذالك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون
والاية 83(وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آما فاكتبنا مع الشاهدين )
كما فرق سبحانه وتعالى بين كل الموحدين بالله من أهل الكتاب
حيث يقول سبحانه وتعالى(ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ن)سورة آل عمران113
كما أن سيدنا محمد (ص) كان القدوة والنموذج الأسمى في ألإحسان إلى غير المسلمين في معاملاته التجارية والسياسية وحتى في الزواج حين تزوج بمارية القبطية وهي لاتزال على النصرانية قبل ان تسلم أي ممن يحسبون على المومنين لا على المسلمين .
تطبيقا لقوله سبحانه وتعالى ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )
[ سورة النحل: 125]
كما أنه صلى الله عليه وسلم تحالف مع قبائل غير مسلمة كبني عوف من اليهود تطبيقا لقوله
تعالى:{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } [فصلت 34 - 35]
وهنا توضيح من الله سبحانه أن المعاملة الحسنة والبر في التسامح الديني يجعل حتى أعداءك من أوفى المخلصين لك بل وقد يدافعون عنك في ضعفك.
نهي الله سبحانه عن التعصب والتشدد والسباب لغير المسلمين:
يقول
سبحانه:(ولا تجادلو أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون )العنكبوت46
وهنا دعوة لعدم الجدال العقيم والعصبية مع غير المسلمين المسالمين الذين لا يخوضون حربا ضد المسلمين .بل بالعكس حيث تتوجب محاباتهم وإستمالتهم كوننا نؤمن بإلاههم وكتبهم وأنبيائهم أكثر منهم بل ونتبع كتبهم ونقرأها وندرسها أكثر منهم مصداقا
لقوله تعالى:( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب)الشورى13
المومنون إخوة
كما أن الإسلام خرج بمفهوم جديد للبشرية لم تعرفه من قبل وهو الأخوة حيث
يقول سبحانه:(إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم وإتقوا الله لعلكم ترحمون )الحجرات10
ومن هنا إنطلق الفكر الإسلامي ليآخي البشرية من جزر جاوا (أندونيسيا) الى الهند والصين وجنوب بلاد روسيا الى غربها ومن شمال إفريقيا الى الأندلس جنوب أوروبا لتنتقل أفكار المسلمين عبر أبي حامد الغزالي وإبن سينا وابن رشد وابن حزم لتؤثر في فكر عصر النهضة الأوروبية الذي دعى من خلال أعمال الاسباني ميكيل سرفانتيس الذي كتب روايته المشهورة (دون كيخوطي ديلامانتشا) حيث مثل بالإسبان المسيحيين الذبن يدمرون طواحين الهواء ويقتلون قطعان الغنم بمجانيين ومهووسين يحاربون الغنم(المسلمون)ويدمرون طواحين القمح (الحضارة الإسلامية)والفرنسي فولتير اللذي كتب كتابا سماه (عبقرية النبي محمد)و الالماني كالفن الذي دعى الى تصحيح مفاهيم الكنيسة حول الذات الإلاهية والروسي ليو تولوستوي الذي حج الى بيت المقدس وتأثر بالمسلمين وكتب :(شريعة محمد ستسود العالم لإنسجامها مع العقل والمنطق) ومن هنا إبثق الفكر الإخواني الشيوعي في روسيا بإبتكار إسم الرفيقcamarde
الذي إنتقل من الإتحاد السوفياتي إلى ألمانيا الإتحادية حيث أصبح كل الألمان إخوة ورفاق الدرب .ليصبح إسم الرفيق شعارا شيوعيا عالميا من الصين إلى كوبا
وقبل ذالك أيضا إنبثقت العلمانية المتنورة غير المتطرفةوفصلت أوروبا الدين عن الدولة لضمان حرية العقيدة والفكر و التدين للأقليات المتبقية سرا من المسلمين واليهود (بقي المسلمون يخفون اسلامهم في اوروبا الى القرن 19 ومنهم الفرنسي فيكتور هيجو الذي إعترف بإسلامه في زيارته للجزائر وقد كان واحدا من مفكري الثورة الفرنسية التي ثارث على الظلم والإضطهاد الديني والفكري وجعلت شعارا لها الى اليوم*حرية*مساواة*أخوة*ومنهم ايضا المفكر الإسباني المسلم بلاس إنفانتي ابو القومية الأندلسية الذي أشهر إسلامه الخفي بالمغرب وأعدمه النظام الجمهوري الاسباني وآخرهم خوليو إيكنيتا زعيم الحزب اليسار الشيوعي الإسباني الذي إعترف قبل وفاته بإسلامه في السر أبا عن جد منذ عام 1492وأقر بهذا للمفكر الإسلامي المغربي علي بن المنتصر الكتاني رئيس جمعية إحياء القومية الأندلسية)
الإسلام ضامن لحرية العقيدةالمسالمة
كما قلنا واليهود المتخفين في العلمانية وهذه العلمانية ما هي أصلا إلا نسخة من حرية العقيدة والدين التي أقرها الإسلام في
قوله تعالى( وقل الحق من ربك فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كامهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا )الكهف29
وقوله تعالى ( :لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويومن بالله فقد إستمسك بالعروة الوثقى لا إنفصام لها والله سميع عليم )البقرة 256
والآية واضحة لكل البشرية أن الإسلام والمسلمون لا يجبرون أحدا على إعتناق دينهم وأفكارهم بالقوة والإكراه .بل بالواجب الوظيفي فقط حيث أن كل مسلم هو حامل رسالة الإسلام ووظيفته هي توصيل الرسالة الى الناس كافة فمن شاء قبل الرسالة ومن شاء رفضها بدون خوف.شريطة ان يكون حامل الرسالة مثالا وقوة في العلم و الإخلاص والأمانة وحسن المعاملة والأخلاق.مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء
وفي هذا الموضوع نهاية فاصلة أقرها الإمام أبي حامد الغزالي
يقول حجة الاسلام الامام ابوحامد الغزالي رحمه الله :
الناس اصناف :
١- صنف لم تبلغهم الرساله وهؤلاء معذورون لاعليهم شيء من الله سبحانه وتعالى
٢- وصنف بلغتهم الرساله مشوشةً كما قد بلغهم اسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم تبلغهم صفته كسماع صغارنا لإبن المقفع انه كذاب و و الخ.. فهؤلاء القوم لم تتحرك عندهم دواعي البحث عن الحقيقه فهم سمعوا عن انسان انه مدعي للنبوة وانه كذاب حاشاه , فهؤلاء ايضا يحملون على الصنف الاول ايضا معذورون عند الله سبحانه وتعالى
٣- اما اهل الايمان من كل الاديان والملل المؤمنون بالله وانه هو الخالق هؤلاء الذين وصلتهم الرساله واخذوا يبحثون عن الحقيقة للتأكد وكانوا من اهل الجد والصدق في اكتشاف الحق . هؤلاء إن وافتهم المنيه وهم لم يصلوا الى الحقيقه فهم يلحقون الى الصنف الاول انهم معذورون
٤- وصنف بلغتهم الرسالة وقامت عليهم الحجة وشخصت امامهم البراهين ورأوا كل شيء وعرفوا حقيقتها ثم تنكروا عليها وكابروا هؤلاء هم المحاسبون الموعودون .
انتهى كلامه رضي الله عنه
من كتابه النفيس (فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة )